مرض الادمان
مرض الادمان يصيب الإنسان في جميع جوانبه الشخصية وهنا لا نتكلم عن النتائج أو آثار المرض مثل العلاقات الاجتماعية.
والخسائر التي يسببها في حياة المدمن من فشل في العمل والدراسة والعلاقات الاجتماعية وآثاره الجسيمة على الصحة.
ولكن أحب أن أوضح أن مرض الادمان مرض يجعل المدمن يفكر بطريقة معينة تجعله دائماً يشعر بالنقص، يشعر بالخوف والقلق والاكتئاب.
يحتقر نفسه… يشعر أنه أقل ممن حوله مما يجعله بطريقة غير واعية ينظر أو يتعامل مع المجتمع حوله بنظره أو بطريقة معادية.
لذا لا بد أن نعي حقيقة مهمة جداً:
المدمن إنسان مريض…. لابد أن يفهم المدمن ذلك، ونتمنى أن يخضع المدمن للعلاج قبل أن يحاكم إذا تورط في أمر قانوني.
لابد من علاجه قبل محاكمته بواسطة مجتمع علاجي تأهيلي وبعدها يخضع للمحاكمة , هذا ليس كلاماً غريباً……
هذا ما يتم في معظم بلدان العالم التي فهمت نفسية المدمن وتسعى في إصلاحها لا التخلص منها.
يجب أن تفهم الجهات المسئولة هذا الأمر….. المدمن مريض وليس مجرم، حالات علاج الادمان التي تخضع للسجن تحتاج إلى العلاج الادمان.
أولاً ثم بعد ذلك تخضع للمحاكمة إن لم يتعاونوا في العلاج، لذا يتطلب الأمر إلى الكثير والكثير الى خدمات مراكز علاج الادمان.
والكثير والكثير من بيوت تأهيل المدمنين حتى تتوفر الفرصة لكل مدمن للعلاج، فالشخص المدمن إنسان ذكي ونحن
نحتاج إلى ذكائه، فلابد من إعطائه الفرصة… وعندها قد يصبح شخصاً آخر ناجح بين أسرته ومجتمعه.
لقد أردنا بهذه الكلمات المختصرة اختيار أفضل طريقة للعلاج من الادمان, إن طريقة تفكير المدمن تولد مشاعر سلبية
قوية جداً لا يستطيع أن يتعامل معها فيكبتها وهذه المشاعر لها قوة وطاقة.
فتتحول إلى سلوكيات تدفع المدمن أن يسلك سلوكيات قهرية، وهذه هي التي تجعل المشكلة تتفاقم لأنها
سلوكيات قهرية بما فيها من تعاطي للمواد المخدرة وغيرها من السلوكيات.
مثل العزلة والاندفاعية والغضب الشديد والكذب والمراوغة…. إلخ، ولكن ليس معنى قهرية أن المدمن غير مسئول عن سلوكياته بل مسئول.
والمعنى أن تناول المخدرات يجعله يسلك سلوكاً معادياً للآخرين ولكن لديه البصيرة لطلب العلاج والتعافي.
هذا مما يدخل المدمن في حلقة مفرغة، فهذه السلوكيات كما قلنا قهرية يندم المدمن على فعلها فهو لا يريد أن
يفعلها أو على الأقل يصل في مرحلة ما يريد أن يتوقف عن هذه السلوكيات.
فلا يستطيع فيرى أنه لا أمل له ثم يعتقد أن المجتمع يرفضه ولا يقبله فيزيد شعوره بالرفض والاختلاف والعزلة وعدم
القبول وفقدان احترامه لنفسه وعدم تقدير الذات مما يجعله ويدفعه لتكرار نفس هذه السلوكيات بل تتفاقم هذه السلوكيات.
ومع أن هذا السلوك هو الذي أظهر (فضح) مرض الادمان فهو مجرد جانب من جوانب المرض وليس التعاطي هو
المرض، فالمرض الادمان موجود حتى قبل البدء في التعاطي للمخدرات.
وهنا تجد كثيراً من أهل المدمنين من يحمل نفسه عبأ أو يتحمل مسئولية مرض المدمن او علاج الادمان أو يرى نفسه هو السبب،
ويشعر بالذنب ويلوم نفسه.
ولكن لو لاحظنا الحياة التي مر بها المدمن قبل التعاطي ستجد أشياء في شخصية المدمن هي سلوكيات إدمانية
أبرزها أنه غير اجتماعي.
إنه مثلاً لو جلس في أي مناسبة تجده يحس بالوحدة لا يندمج بسهولة مع من حوله، يتهرب من أي مناسبات
اجتماعية. أيضاً تجده عندما يطلب شيئاً تقف حياته كلها حتى يحقق رغباته.
إذا أراد مثلاً لعبة أو دراجة أو أراد أن يشتري سيارة (عندما يكبر)… إلخ، تجده لا يستطيع أن يعيش حياته العادية إلا
إذا حقق رغبته وكأن حياته توقفت على هذه الرغبة.
وهذا ما نسميه بالرغبة الملحة.تجد البعض منهم أيضاً يميل إلى المغامرات وعمل أعمال بطولية يتميز بها عن أقرانه
ومعظمها تمثل خطورة.
دليل الذكاء للمدمن
وتجد الكثير منهم ليست شخصية مستقلة فإذا تقابل مع المثقفين تحول إلى مثقفاً ومع المستويات الاجتماعية
المنخفضة تحول مثلهم وبنفس لغتهم.
وهذه ليست مهارات اجتماعية لأنه لا يملك مهارات اجتماعية، وإن دل هذا السلوك
فهو يدل على الذكاء المفرط للمدمن وقدرته على التلاعب على من حوله.
ويجب أن نعي هذه النقطة جيداً لأنه من الممكن استعمالها في العلاج الادمان حيث يتم توجيه هذا الذكاء للتعافي بدلاً من المرض الادمان و التعاطي.
والمدمن بداخله قوة لا يعرف التعامل معها تدفعه لهذه السلوكيات. إن بداخله شعور بالاختلاف
وهو يبحث دائماً عن شيء يمنحه الشعور بأن كل شيء على ما يرام.
ودائماً ما يشعر المدمن بعد التعاطي بأن كل شيء على ما يرام وهو شعور كاذب،
وأصبحت مرض الادمان المخدرات هي المشكلة بعد أن كانت هي الحل لكل المشاكل.
وما أن يترك المخدرات حتى يعود الشعور بالخواء مرة أخرى بل أقوى كثيراً،
هذا الخواء الذي دفع المدمن إلى السلوكيات التي ذكرناها قبل التعاطي وتم حلها بالتعاطي.
إن المدمن في مرحلة ما قبل طلب العلاج الادمان أو قبوله يكون في حالة إنكار تام لمسؤوليته عن إدمانه
ويُرْجِع كل سلوكياته الخاطئة إلى كونها رد فعل لرفض المجتمع له.
فظاهرياً يتعامل بتكبر وعنف وعنجهية ويتظاهر بقدرته على التوقف عن التعاطي في أي وقت ولكن داخلياً
فهو يعاني من الخوف والوحدة وعدم الأمان فيدخل في حلقة مفرغة فهو يرفض المجتمع والمجتمع يرفضه.
وهناك محاولات لتحقيق رغباته مستغلاً كل من حوله من أشخاص أو أشياء أو أماكن فيصل إلى :
(التمحور حول الذات) وكأنه هو محور الكون وكل من حوله وُجِدُوا لتحقيق رغباته واحتياجاته وتظهر الأنانية الشديدة عنده دون أن يراها هو.
لا نريد أن نظلم المدمن انه ضاحية مرض الادمان ونصفه كأن لديه قصور أخلاقي أو قلة تربية، كلا إنه بالفعل يحتاج إلى المساعدة مثله مثل أي مريض لأننا كما ذكرنا بداخله قوة لا يسيطر عليها هي التي تدفعه لهذه السلوكيات.
وكما ذكرنا هو يشعر بالخواء الشديد وقد وجد بالتجربة أن المخدرات هي الشيء الوحيد الذي نجح للتعامل مع هذا الخواء أو هذه القوة الداخلية المدمرة العنيفة.
التي يخدرها بالمخدرات أيا كان نوعها فنحن لا نهتم بنوعية المخدرات أو بالكمية التي يتعاطاها لكن أحب أن أشير أن هذه الشخصية التي ذكرناها لو عاشت بدون مخدرات.
(خاصة بعد أن تعودت أن تتعامل مع هذه القوة الداخلية العنيفة المدمرة بالمخدرات) كيف تعيش هذه الشخصية؟
هناك مقولة تقول (مدمن بدون مخدرات كالذئب الجائع المسعور) نعم تجد شخصية غريبة تعيش معك؛
إما انطوائية، شعور بالوحدة حتى لو كان وسط جمع من الناس، تقلبات مزاجية سريعة، إرضاء الآخرين على حساب نفسه، عدواني أو مكتئب….إلخ.
أو ربما تكون ظروف الحياة حوله تساعده أن يستقر نسبياً فإذا جاءت هذه الظروف عكس هواه تجد الوحش الذي بداخله –النائم- استيقظ وهاج وعاد إلى نفس الشخصية القديمة!!
إذاً إذا قلنا إن مرض الادمان عبارة عن وحش بداخل كل مدمن بدأ صغيراً وتربى بداخله لأنه أطلق له العنان والذي ساعد في نموه السريع بإعطائه الغذاء (المخدرات) مما سارع في نموه وقوته بداخله.
إن من الصفات المشهورة لمرض الادمان أنه متفاقم: يبدأ صغيراً ثم يكبر, والدليل على أن مرض الادمان هو وحش لا يموت بداخل المدمن.
لكنه يُحاصَر هو الانتكاسات الكثيرة التي يتعرض لها المدمنين عند محاولتهم الامتناع عن التعاطى بمفردهم فهو مرض مزمن لكن يمكن محاصرة سلوكياته وتعديله.
بعد هذا الكلام عن المرض هل نرى أن الحل هو أن نكرس كل جهودنا ألا تصل المخدرات للمدمن هل هذا هو الحل؟! لا ليس وحده باستعمال العقاقير وتركيب الكبسولات في الجسم…..إلخ.
أو بالتغير الجغرافي….إلخ هل هذا هو الحل؟! ليس حكما على طرق العلاج الادمان المختلفة مثل الريفيا أو تركيب الكبسولة.
فإنها من الممكن أن يستعان بها وبالفعل قد استفاد منها البعض, لكننا نتكلم هنا هل هذا هو الحل؟
إذا إقتصرنا على هذا الحل فعذراً فهذه نظرة ضيقة جداّ.
كما قلنا فإننا نتعامل مع عرض من أعراض مرض الادمان وهو تعاطي المخدرات وتركنا المرض كله,
كما قلنا إنه مرض يصيب كل جوانب الشخصية, إنه بدخل كل مدمن وليس في المخدرات.
عندما نتكلم عن حل المشكلة فهي في الشخصية نفسها
في طريقة تفكير المدمن في تعامله مع مشاعره في ردود فعله في سلوكياته.
إذا لم نساعد المدمن على تعديل نقاط الضعف في شخصيته فإن الشخصية
التي تعودت أن تتعاطى المخدرات لازالت موجودة ومهما منعتها عن المخدرات.
ومهما طالت الفترة فلابد في أول فرصة سيرتد مرة اخرى إلا إذا تغيرت هذه الشخصية
وحاصرنا هذا الوحش المدمر بداخل كل مدمن بعد نمو الشخصية الجديدة.
وهنا أحب أن أقول أن النمو والنضوج لا يمكن أن يتوقف في حياة المدمن لأنه لو توقف لن يثبت ويتراجع،
وإذا تراجعت هذه الشخصية لابد أن يستيقظ الوحش من مرقده ويفك قيوده ويخرج ويفرض سيطرته بعنف.
إذن الحل هو برنامج نمو مستمر في حياة المدمن يحميه من الارتداد ،ويستمر في نمو ونضوج شخصيته
ولا يهم سرعة أو بطء هذا النمو بقدر أنه يستمر في النمو، فنحن نمشي في مسيرة النضوج والنمو .