العلاج المعرفي السلوكي
يهتم العلاج المعرفي السلوكي بالجوانب المعرفية ودورها في الاضطرابات والعلاج النفسي مع بداية النصف الأخير من القرن الماضي. ففي عام 1952 نشر بك مقالاً حول تطبيق العلاج المعرفي على حالة فصام مزمن .
وكانت بداية لإسهامات جليلة لبيك في العلاج المعرفي للاكتئاب . وفتحت المجال أمام إسهامات أخرى لأليس وميكانبيوم وسيلجمان وغيرهم . وكان ألبرت اليس (Albert Ellis) آنذاك من رواد العلاج المعرفي السلوكي .
الذي تخلى عن التحليل النفسي نظرا لأنه يستغرق وقت طويل . ونتائجه غير أكيدة , لذلك ابتكر علاج أكثر نشاطاً وتوجيهاً , وأقل مدة . وأطلق عليه العلاج العقلاني الانفعالي (Rational-Emotive therapy) الذي يرمز له RET . ويهدف إلى تغيير الأفكار السلبية التي تؤدى إلى مشاعر غير منطقية مما يؤدي إلى معظم الاضطرابات النفسية.
وفى نفس الوقت توصل آرون بيك (Aroon Beck) إلى وضع النموذج المعرفي للاكتئاب في الفترة من 1960 – 1965 . حيث بدأ عمله قبل هذه الفترة في محاولة للتوصل إلى تفسيرات وقواعد علمية للتحليل النفسي.
ولكنه انتهى بوضع أساسيات وخصائص العلاج المعرفي السلوكي كما وصفها ألبرت اليس . بالإضافة إلى فنيات أخرى مثل تعلم مهارات حل المشاكل . والمهارات الاجتماعية , ومهارات التكيف . ومهارات السيطرة على الذات . وقد تحدد العلاج المعرفي السلوكي في ثلاثة أبعاد هي:
أن النشاط العلاج المعرفي السلوكي يؤثر في السلوك .
أن النشاط المعرفي يمكن قياسه واختباره وتغييره .
أنه من الممكن استبدال السلوك السلبي عن طريق تغيير الأفكار الخاطئة.ويقصد بكلمة معرفة (Cognition) العمليات التي تعني بتصنيف وتخزين ودمج المعلومات التي يتعرض لها الإنسان مع المعارف الموجودة لديه , واستدعاء واستخدام هذه المعارف فيما بعد.
وقد حدد علماء النفس المعرفي مجموعة من الوظائف المعرفية منها ما يلي : الانتباه Attention, الذاكرة Memory , التفكير Thinking , الإدراك Perception , تكوين المفاهيم Conception , التعلم Learning , اللغة Language , الحكم على الأمور Judgment , الاستبصار Insight , اتخاذ القرار Decision making , التخطيط Planning , وحل المشكلاتProblem solving .
ويُعَرف العلاج المعرفي السلوكي بأنه أحد طرق العلاج النفسي الذي يستخدم في الكثير من الأمراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق واضطراب المزاج الثنائي القطب وغيرها,
بهدف مساعدة المريض في إدراك وتفسير طريقة تفكيره السلبية , بهدف تغييرها إلى أفكار ايجابية أكثر واقعية , ويمكن أن يستخدم متزامنا مع الأدوية المستعملة في علاج الاضطراب .
مبادئ النظرية المعرفية والعلاج المعرفي :
يتضح من كتابات بيك في الفترة ما بين 1965 – 1991 ومن كتابات بعض زملائه إن النظرية المعرفية للأمراض النفسية تتخذ من الكيفية التي تتم من خلالها معالجة المعلومات المحور الأساسي الذي تدور حوله تفسيرات النظرية المعرفية للاضطرابات النفسية التي يعاني منها الإنسان.
وتفترض هذه النظرية أن وجود الاضطرابات لدى الفرد مرتبط بوجود تحيز وأخطاء في معالجة المعلومات لديه , كما تفترض وجود أبنية معرفية ( مخطوطات ) كامنة عاجزة عن التكيف تسيطر على المريض من خلال ما ينتج عنها من أفكار داخلية تلقائية تصاحب الاضطراب وتساعد على استمراره .
وللإنسان من وجهة النظر المعرفية دور نشط في تكوين واقع خاص به . ويعتمد الإنسان في رؤيته لما حوله على نظام معالجة المعلومات لديه الذي يختار من خلاله , ويغير , ويفسر المثيرات التي تصادفه.
وتلعب المعاني الشخصية ( الذاتية ) التي يعطيها لما يعترضه من حوادث دورا هاما في قدرته على التكيف , فقد يستجيب باستجابات سلوكية أو انفعالية غير متكيفة إن هو أخطأ في تفسير ما يحدث من حوله.
وهكذا فإن المعرفة تؤثر على الانفعالات وعلى السلوك , ومع ذلك فإن النظرية المعرفية لا تفترض أن الأفكار تسبب السلوك أو الانفعالات ( وبالذات في الكتابات الحديثة لأصحاب تلك النظرية ) , لأنها ( الأفكار) لا تسبق الانفعالات أو السلوك في كل الأحوال , وترى عوضا عن ذلك أن هناك تفاعل وتأثير متبادل بين هذه المتغيرات.
تفترض النظرية المعرفية انه من الممكن التعرف على الأفكار واستنباطها ولكن ذلك لا يعني أن الأفكار كلها تقع تحت طائلة الفرد , فالأفكار التلقائية تفلت من سيطرته وتزعجه ولكن من الممكن تدريبه على مراقبة ورصد هذه الأفكار ثم التخلص منها.
أو إبطال مفعولها غير الايجابي عليه . وأخيرا يفترض في النظرية المعرفية أنه من الممكن إحداث تغيرات انفعالية وسلوكية وجسمية من خلال إحداث تغييرات في أفكار واعتقادات المريض .
بعض المسلمات في العلاج المعرفي السلوكي :
1. المصادر الأساسية للأداء أو التكيف النفسي هي الأبنية المعرفية التي تقوم بتشكيل المعاني والتي تسمى المخطوطات المعرفية Schema , ويقصد بالمعنى تفسير الشخص لسياق معين , وعلاقة هذا السياق بالذات .
2. مهمة عملية إعطاء المعاني هذه ( على المستوى التلقائي أو المقصود ) هي محاولة التحكم في المنظومات النفسية المتنوعة ( على سبيل المثال , السلوك , الانفعال , الانتباه , والتذكر ) , وهكذا فإن المعنى ينشط الاستراتيجيات الخاصة بالتكيف .
3. هناك تأثير متبادل بين المنظومات المعرفية والمنظومات الأخرى .
4. ترتبط كل فئة من هذه المعاني بأنماط محددة من الانفعالات والانتباه والتذكر والسلوك , وتسمى هذه العمليات بخصوصية المحتوى المعرفي .
5. ومع أن المعاني من صنع الشخص , وليست بالضرورة أشياء موجودة من قبل في الواقع فإنها تكون صائبة أو خاطئة من حيث علاقتها بسياق أو هدف معين . وعندما يحدث التشويه المعرفي أو التحيز تكون المعاني غير فعالة أو غير تكيفيه , ويشتمل التشويه المعرفي على أخطاء في المحتوى المعرفي ( المعنى ) , أو في المعالجة المعرفية ( تفسير المعاني ) , أو في الاثنين معا .
6. لدى الناس استعداد لتكوين أخطاء معرفية محددة ( التشويه الاستعرافي ) . وتسمى هذه الاستعدادات لهذه الأخطاء بالهشاشة المعرفية .
7. تنشأ الاضطرابات النفسية من تكوين معاني غير متكيفة حول الذات. والسياق البيئي ( الخبرة ) , والمستقبل ( الأهداف ) والتي تسمى مجتمعة بالثالوث المعرفي .
ولكل أعراض إكلينيكية معاني غير متكيفة مميزة وترتبط بعناصر الثالوث المعرفي , ففي الاكتئاب تفسر كل العناصر الثلاثة تفسيرا سلبيا .
أما في القلق فينظر إلى النفس كذات عاجزة . ويمثل الموقف مصدر خطورة للفرد . ويبدو المستقبل غامضا أو مشكوكا فيه . وفي الغضب والبارانويا . يعتقد الفرد أن الآخرين يعاملونه معاملة سيئة أو ينوون إيذائه , وينظر إلى العالم كمكان يخلو من العدل ويتعارض مع مصلحته .
مقال: العلاج المعرفي السلوكي
اترك تعليقاً